آرام المصري
لم تعد المدارس، التي يُفترض أن تكون بيئة تعليمية آمنة، بمنأى عن موجات العنف المتصاعدة، التي لم تزداد فقط من حيث التكرار، بل بتطورأساليبها، وصولًا إلى مستويات غير مسبوقة، فبعد حادثة حرق الطالب محمد الحميدي التي هزت الرأي العام، استيقظ الشارع الأردني اليوم على حوادث لا تقل خطورتها عما حدث قبل أيام.
وفي الوقت الذي كان فيه العنف المدرسي يقتصر على الضرب بالأيدي أو الدفع أو التنمر اللفظي، أصبح يأخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا، حيث تتكرر حالات الاعتداء الجسدي، الإهمال الإداري، والتنمر الممنهج، مما يجعل المدارس بيئة غير آمنة للطلبة.
وفي الأشهر الأخيرة، تصاعدت حوادث العنف بشكل لافت، بدءًا من المشاجرات الجماعية والاعتداء على المعلمين، وصولًا إلى حوادث قد تودي بحياة الطلبة أو تعرّضهم لإصابات خطيرة.
لعل هذه الحوادث المقلقة تكشف عن خلل في المنظومة التربوية، حيث إن تعرض الطالب الحميدي للحرق داخل المدرسة وعلى أيدي زملائه أثار تساؤلات عديدة حول ضعف الرقابة داخل المدارس وغياب الإجراءات الوقائية.
ووفقًا للخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، فإن هذه الحادثة تمثل "إنذار خطر يحدث في التربية والتعليم”، لافتًا إلى أن المدارس لم تعد توفر الحماية الكافية للطلاب.
وأشار عبيدات إلى أن تفاصيل الحادثة، بما في ذلك تواجد مواد خطرة في متناول الطلبة، وغياب الرقابة داخل الصفوف، ومحاولة إدارة المدرسة إخفاء ما حدث، تعكس مشكلات أعمق تتعلق بالإهمال الإداري وثقافة الصمت والتدليس داخل المؤسسات التعليمية.
وإلى جانب هذه الحادثة، برزت العديد من حالات العنف الجسدي داخل المدارس، وخاصة الذكور، والتي وصفها البعض بأنها "بلا حسيب ولا رقيب”.
وفي حالات أخرى، وثقت وسائل الإعلام المحلية إهمالًا كاد أن يؤدي إلى إصابات خطيرة في حياة 6 طلاب بعد محاصرتهم داخل إحدى مدارس المملكة نتيجة مغادرة المدير والمعلمين والآذن والحارس دون تفقد الغرف الصفية والتأكد من إخلاء المدرسة.
وفي هذا الإطار، تبرز العديد من الأسئلة حول هذه الحوادث: هل ضعف الدور الرقابي داخل المدارس يسمح بوقوع اعتداءات أو حوادث إهمال دون مساءلة حقيقية؟ هل التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي عزز من ظاهرة التنمر الإلكتروني والتحريض على العنف؟ أم أن السبب يعود إلى غياب البرامج الفعالة لحماية الطلاب نفسيًا وجسديًا، مما يجعل بعضهم ضحايا للعنف أو مشاركين فيه؟ وهل تمنع ثقافة الخوف والتدليس داخل المؤسسات التعليمية الموظفين من الإبلاغ عن المشكلات خوفًا من العقوبات الإدارية؟
والسؤال الأهم اليوم: إلى أين نتجه؟
لا بد من الإشارة الى أن الإصلاح التربوي بات حاجة ملحّة، لا تقتصر على فرض القوانين، بل تتطلب استراتيجية متكاملة لمعالجة الظاهرة جذريًا، وضمان ألا يصبح العنف والإهمال جزءًا من الثقافة المدرسية.